risalah ahlus sunnah wal jamaah

رسالة أهل السنة والجماعة

فـى حديث الـموتى وأشـراط الساعـة

وبيـان مفهـم السنـة والبدعـة


تأليـف :
العلامـة الشيـخ مـحمد هاشـم أشعـرى
الرئيـس الأكبـر لـجمعيـة نـهضـة العلمـاء
عفـا الله عنـه وعن والديـه وعن مشايـخـه
وعن جـميع الـمسلميـن ﺁميـن





بتحقيـق واختيـار سبط الـمؤلـف
كياهـى حاج مـحمد عصـام الدين حـاذق

مقدمة وتـمهيد

بسم الله الرحـمن الرحيم

حمدا وتمجيدا لمن قال فى كتابه المبين, وهو اصدق القائلين, ﴿ هو الذى ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ﴾, صلاة وتسليما على سيدنا وشفيعنا ووسيلتنا الى ربنا محمد القائل : اما بعد, فانّ اصدق الحديث كتاب الله, وخير الهدى هدى محمد, وشر الأمور محدثاتـها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة فـى النار, وعلى ﺁله واصحابه وأتباعه صلاة وسلاما دائمين متلازمين ما اختلف الليل والنهار.
وبعد, فهذا كتاب جليل يحتوى على مقاصد مفيدة ومباحث عديدة, تنفع المسلمين المحتاجين الى تحقيق العقائد الدينية, والى الاجتماع بالفرقة الناجية الذين هم اهل السنة والجماعة, ردّ فيه مؤلفه على ضلالات المبتدعين الكاذبين, وصرح فيه شبهات الملحدين الضالين.
فهو اذا حجة وبرهان, وتوضيح وبيان, فيه المسلمين عزة وكرامة, ولهم فيه نجاة وسلامة, اذ قد حقق فيه مؤلفه العقائد الصحيحة, على طريقة أهل السنة والجماعة.
ومعشر المسلمين اليوم اشد حاجة الى ذلك, وقد اختلط فيهم الأفاضل بالاراذل, والتبس عليهم الحق بالباطل, وتصدر للفتوى كل جاهل, ممن يقصر ادراكه عن فهم كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, فجاء الكتاب بالايضاح والتدقيق, بعيدا عن التلبيس والتزويق, ليبتعدوا عن مواقع الجهل والضلال, ويكونوا موفقين فـى الاقوال والافعال.
وكيف لا, وقد كان مؤلفه العلامة الشيخ محمد هاشم اشعرى رحمه الله تعالى من اكابر علماء اندونيسيا ومن مؤسسى جميعة نهضة العلماء, وهى جمعية معروفـة
بقوة تمسكهم بسنة خاتـم النبيين وشدة اعتمادهم على خطة أسلافهم الصالحين.
فجزى الله تعالى مؤلفه خيرا كثيرا, وغفر له ولاصوله وفروعه انه كان غفارا, ونفع به وبعلومه المسلمين, وجعل عمله من احياء سنة سيد المرسلين.
هذا, وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم, و الحمد لله رب العالمين.










بسم الله الرحـمن الرحيم

الحمد لله شكرا على نواله, والصلاة والسلام على سيدنا محمد وﺁله, وبعد, فهذا كتاب اودعت فيه شيئا من حديث الموتى واشراط الساعة, وشيئا من الكلام على بيان السنة والبدعة, وشيئا من الاحاديث بقصد النصيحة, والى الله الكريم امدّ اكفّ الابتهال, ان ينفع به نفسى وامثالى من الجهال, وان يجعل عملى خالصا لوجهه الكريم, انه جواد رؤوف رحيم, وهذا أوان الشروع فـى المقصود, بعون الملك المعبود.

فصل

فـى بيان السنة والبدعة

السنة بالضم والتشديد كما قال ابو البقاء فـى كلّياته : لغة الطريقة ولو غير مرضية, وشرعا اسم للطريقة المرضية المسلوكة فـى الدين سلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم او غيره ممن هو علم فـى الدين كالصحابة رضى الله عنهم, لقوله صلى الله عليه وسلم : عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى, وعرفا ما واظب عليه مقتدى نبيا كان او وليا, والسنى منسوب الى السنة حذف التاء للنسبة.
والبدعة كما قال الشيخ زروق فـى عدة المريد : شرعا احداث امرى فـى الدين يشبه ان يكون منه وليس منه سواء كان بالصورة او بالحقيقة, لقوله صلى الله عليه وسلم : من احدث فـى امرنا هذا ما ليس منه فهو رد, و قوله صلى الله عليه وسلم : وكل محدثة بدعة, وقد بين العلماء رحمهم الله ان المعنى فى الحديثين المذكورين راجع لتغيير الحكم باعتقاد ما ليس بقربة قربة لا مطلق الاحداث, اذ قد تناولته الشريعة باصولها فيكون راجعا اليها او بفروعها فيكون مقيسا عليها.
قال : وموازينها ثلاثة, الاول ان ينظر فـى الامر المحدث, فان شهد له معظم
الشريعة واصلها فليس ببدعة, وان كان مما يأبى ذلك بكل وجه فهو باطل وضلال, وان كان مما تراجعت فيه الادلة وتناولته الشبهة واستوت فيه الوجوه أعتبرت وجوهه, فما ترجح من ذلك رجعت اليه.
الميزان الثانى اعتبار قواعد الائمة وسلف الأمة العاملين بطريق السنة, فما خالفها بكل وجه فلا عبرة به, وما وافق اصولهم فهو حق وان اختلفوا فيه فرعا واصلا, فكل يتبع اصله ودليله, وقد وقع من قواعدهم أن ما عمل به السلف وتبعهم الخلف لا يصح ان يكون بدعة ولا مذموما, وما تركوه بكل وجه واضح لا يصح ان يكون سنة ولا محمودا, وما اثبتوا اصله ولم يرد عنهم فعله فقال مالك : بدعة, لانـهم لا يتركوه الا الامر عندهم فيه, وقال الشافعى : ليس ببدعة وان لم يعمل به السلف, لان تركهم للعمل به قد يكون لعذر قام بـهم فـى الوقت او لما هو افضيل منه, والاحكام مأخوذة من الشارع وقد أثبته, واختلفوا ايضا فيما لم يرد له من السنة معارض ولا شبهة, فقال مالك : بدعة, وقال الشافعـى : ليس ببدعة, واستند لحديث : ما تركته لكم فهو عفو, قال : وعلى هذا اختلافهم فـى ضرب الادارة, والذكر بالجهر والجمع والدعاء, اذ ورد فـى الحديث الترغيب فيه ولم يرد عن السلف فعله, ثم كل قائل لا يكون مبتدعا عند القائل بمقابله لحكمه بما اداه اليه اجتهاده الذى لا يجوز تعديه, و لايصح له القول ببطلان مقابله لقيام شبهته, ولو قيل بذلك لأدى الى تبديع الأمة كلها, وقد عرف ان حكم الله تعالى فـى مجتهد الفروع ما أداه اليه اجتهاده, سواء قلنا : المصيب واحد او متعدد, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يصلين احد العصر الا فـى بنى قريظة, فادركهم العصر فـى الطريق, فقال بعضهم : أمرنا بالعجلة, وصلوا فـى الطريق, وقال أخرون : أمرنا بالصلاة هناك, فأخروا, ولم يعب صلى الله عليه وسلم على واحد منهم, فدل ذلك على صحة العمل بما فهم من الشارع اذا لم يكن عن هوى.
الميزان الثالث ميزان التمييز بشواهد الاحكام, وهو تفصيلى, ينقسم الى اقسام
الشريعة الستة, اعنى الوجوب, والندب, والتحريـم, والكراهة, وخلاف الاولى, والاباحة, فكل ما انحاز لاصل بوجه صحيح واضح لا بعد فيه ألحق به, وما لا فهو بدعة, وعلى هذا الميزان جرى كثير من المحققين واعتبرها من حيث اللغة للتقريب, والله اعلم.
ثم قال : وأقسامها ثلاثة, البدع الصريحة, وهى ما أثبتت من غير اصل شرعى فى مقابلة ما ثبت شرعا من واجب او سنة او مندوب او غيره فاماتت سنة او ابطلت حقا, وهذه شر البدع, وان كان لها الف مستند من الاصول او الفروع فلا عبرة به, الثانى البدع الاضافية, وهى التى تضاف لامر لو سلم منها لم تصح المنازعة فـى كونه سنة او غير بدعة بلا خلاف او على خلاف مما تقدم, الثالث البدع الخلافية, وهى المبنية على اصلين يتجاذبـها كل منهما, فمن قال بـهذا قال : بدعة, ومن قال بمقابله قال : سنة, كما تقدم فـى ضرب الادارة وذكر الجماعة.
وقال العلامة محمد ولي الدين الشبشيرى فـى شرح الاربعين النووية على قوله صلى الله عليه وسلم : من احدث حدثا او ﺁوى محدثا فعليه لعنة الله : ودخل فـى الحديث العقود الفاسدة, والحكم مع الجهل والجور ونحو ذلك مما لا يوافق الشرع, وخرج عنه ما لا يخرج عن دليل الشرع كالمسائل الاجتهادية التى ليس بينها وبين ادلتها رابط الا ظن المجتهد, وكتابة المصحف, وتحرير المذاهب, وكتب النحو والحساب, ولذا قسم ابن عبد السلام الحوادث الى الاحكام الخمسة, فقال : البدعة فعل ما لم يعهد فـى عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم, واجبة كتعلم النحو وغريب الكتاب والسنة مما يتوقف فهم الشريعة عليه, ومحرمة كمذهب القدرية والجبرية والمجسمة, ومندوبة كاحداث الربط والمدارس, وكل احسان لم يعهد فـى العصر الاول, ومكروهة كزخزفة المساجد, وتزويق المصاحف, ومباحة كالمصافحة عقب صلاة الصبح والعصر, والتوسع فـى المأكل والمشرب والملبس وغير ذلك.
فاذا عرفت ما ذكر تعلم ان ما قيل : أنه بدعة, كاتخاذ السبحة, والتلفظ بالنية,
والتهليل عند التصدق عن الميت مع عدم المانع عنه, وزيارة القبور ونحو ذلك ليس ببدعة, وان ما احدث من اخذ اموال الناس بالاسواق الليلية, واللعب بالكورة وغير ذلك من شر البدع.

فصل

فـى بيان تمسك أهل جاوى بمذهب أهل السنة والجماعة, وبيان ابتداء ظهور البدع وانتشارها فـى ارض جاوى, وبيان انواع المبتدعين الموجودين فـى هذا الزمان

قد كان المسلمو الاقطار الجاوية فـى الازمان السالفة الخالية متفقى الاراء والمذهب, متحدى المأخذ والمشرب, فكلهم فـى الفقه على المذهب النفيس مذهب الامام محمد بن ادريس, وفـى اصول الدين على مذهب الامام ابى الحسن الاشعرى, وفى التصوف على مذهب الامام الغزالى والامام ابـى الحسن الشاذلى رضى الله عنهم اجمعين.
ثم انه حدث فـى عام الف وثلاثمائة وثلاثين احزاب متنوعة, وﺁراء متدافعة, واقوال متضاربة, ورجال متجاذبة, فمنهم سلفيون قائمون على ما عليه اسلافهم من التمذهب بالمذهب المعين, والتمسك بالكتب المعتبرة المتداولة, ومحبة اهل البيت والاولياء والصالحين, والتبرك بـهم أحياء وأمواتا, وزيارة القبور, وتلقين الميت, والصدقة عنه, واعتقاد الشفاعة ونفع الدعاء والتوسل وغير ذلك.
ومنهم فرقة يتبعون رأي محمد عبده ورشيد رضا, ويأخذون من بدعة محمد بن عبد الوهاب النجدى, واحمد بن تيمية وتلميذيه ابن القيّم وابن عبد الهادى, فحرموا ما اجمع المسلمون على ندبه, وهو السفر لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وخالفوهم فيما ذكر وغيره, قال ابن تيمية فـى فتاويه : واذا سافر لاعتقاده انـها اى زيارة قبـر النبى صلى الله عليه وسلم طاعة, كان ذلك محرما باجماع المسلمين, فصار التحريـم من الامر المقطوع به, قال العلامة الشيخ محمد بخيت الحنفى المطيعى فـى رسالته المسماة تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد : وهذا الفريق قد أبتلى المسلمون بكثير منهم سلفا وخلفا, فكانوا وصمة وثلمة فـى المسلمين وعضوا فاسدا يجب قطعه حتى لا يعدى الباقى فهو كالمجذوم يجب الفرار منه, فانـهم فريق يلعبون بدينهم, يذمّون العلماء سلفا وخلفا, ويقولون : انـهم غير معصومين فلا ينبغى تقليدهم, لا فرق فـى ذلك بين الاحياء والاموات, ويطعنون عليهم ويلقون الشبهات, ويذرونـها فـى عيون بصائر الضعفاء, لتعمى ابصارهم عن عيوب هؤلاء, يقصدون بذلك القاء العداوة والبغضاء, بحلولهم الجوّ ويسعون فـى الارض فسادا, يقولون على الله الكذب وهم يعلمون, يزعمون انـهم قائمون بالامر بالـمعروف والنهى عن المنكر, حاضون النـاس على اتباع الشرع واجتناب البدع, والله يشهـد انـهم لكاذبون, قلت : ولعل وجهه انـهم من اهل البدع والاهـواء, قال القاضى عياض فـى الشفا : وكان معظم فسادهم على الدين, وقد يدخل فـى امور الدنيا بما يلقون بين المسلمين من العداوة الدينية التى تسرى لدنياهم, قال العلامة ملاّ على القارى فـى شرحه : وقد حرم الله تعالى الخمر والميسر لهذه العلة كما قال تعالى ﴿ انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة و البغضاء فـى الخمر والميسر ﴾.
ومنهم رافضيون يسبون سيدنا ابا بكر وعمر رضى الله عنهما, ويكرهون الصحابة رضى الله عنهم, ويبالغون هوى سيدنا على و اهل بيته رضوان الله عليهم اجمعين, قال السيد محمد فـى شرح القاموس : وبعضهم يرتقى الى الكفر والزندقة اعاذنا الله والمسلمين منها, قال القاضى عياض فـى الشفا : عن عبد الله بن مغفل رضى الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله الله فـى اصحابى, لا تتخذوهم غرضا بعدى, فمن احبهم فبحبى احبهم, ومن ابغضهم فببغضى ابغضهم, ومن ﺁذاهم فقد ﺁذانى, ومن ﺁذانى فقد ﺁذى الله, ومن ﺁذى الله يوشك ان يأخذه, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تسبوا اصحابى, فمن سبّهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجـمعين, لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا, وقال صلى الله عليه وسلم : لا تسبوا اصحابى, فانه يجيئ قوم فـى اخر الزمان يسبّون اصحابى, فلا تصلّوا عليهم, ولا تصلوا معهم, ولا تناكحوهم, ولا تجالسوهم, وإن مرضوا فلا تعودوهم, وعنه صلى الله عليه وسلم : من سبّ اصحابى فاضربوه, وقد اعلم النبى صلى الله عليه وسلم ان سبهم واذاهم يؤذيه, وﺁذى النبى صلى الله عليه وسلم حرام, فقال : لا تؤذونى فـى اصحابى, ومن ﺁذاهم فقد ﺁذانى, وقال : لا تؤذونى فـى عائشة, وقال فـى فاطمة رضى الله عنها : بضغة منّى يؤذينى ما ﺁذاها.
ومنهم اباحيون يقولون : ان العبد اذا بلغ غاية المحبة, وصفا قلبه من الغفلة, واختار الايمان على الكفر والكفران, سقط عنه الامر والنهى, ولا يدخله الله النار بارتكاب الكبائر, وبعضهم يقول : انه تسقط عنه العبادات الظاهرة, وتكون عبادته التفكر وتحسين الاخلاق الباطنة, قال السيد محمد فـى شرح الاحياء : وهذا كفر وزندقة وضلالة, ولكن الاباحيون موجودون من قديـم الزمان, جهال ضلال ليس لـهم رأس يعلم العلم الشرعى كما ينبغى.
ومنهم من قال بتناسخ الارواح وانتقالها ابد الآباد فـى الأشخاص تخرج من بدن الاخر من جنسه او غيره, وزعم هؤلاء ان تعذيبها وتنعيمها فيها بحسب زكائها وخبثها, قال الشهاب الخفاجى فـى شرحه على الشفاء : وقد كفرهم اهل الشرع لما فيه من تكذيب الله ورسوله وكتبه.
ومنهم من قال بالحلول والاتحاد, وهم جهلة المتصوفة, يقولون : انه تعالى الوجود المطلق, وان غيره لا يتصف بالوجود اصلا, حتى اذا قالوا : الانسان موجود, فمعناه ان له تعلقا بالوجود المطلق, وهو الله تعالى, قال العلامة الامير فـى حاشية عبد السلام : وهو كفر صريح, ولا حلول, ولا اتحاد, فان وقع من اكابر الاولياء ما يوهم ذلك أول بما يناسبه كما يقع منهم فـى وحدة الوجود, كقول بعضهم : ما فـى الجبّة الا الله, اراد ان ما فـى الجبة بل والكون كله لا وجود له الا بالله, وقال فـى لوائح الانوار : من كمال العرفان شهود عبد و رب, وكل عارف نفى شهود العبد فـى وقت ما فليس هو بعارف, وانما هو فـى ذلك الوقت صاحب حال, وصاحب الحال سكران لا تحقيق عنده, فظهر مما ذكر ان المراد بوحدة الوجود والاتحاد فـى مذهب القوم ليس على الظاهر المتوهم, واذا كانت عبدة الاوثان يقولون : ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى, ولم يقولوا : هم الله, كيف يظن ذلك بالعارفين, وانما المراد قول العرف:
﴿ وعلمك ان كل الامر امرى • هو المعنى المسمى باتحاد ﴾
ولا بد عند كل مسلم من حظ فـى هذا المقام وان تفاوتوا.
وانما أطلت الكلام على هذه الطائفة لان ضررهم على المسلمين اكثر من ضرر جميع الكفرة والمبتدعين, فان كثيرا من الناس يعظمونـهم ويسمعون كلامهم مع جهلهم باساليب الكلام العربى, وقد روى الاصمعى عن الخيل عن ابى عمرو بن العلاء انه قال : اكثر من تزندق بالعراق لجهلهم بالعربية, وهم باعتقادهم الحلول والاتحاد كفرة.
قال القاضى عياض فـى الشفا : ان كل مقالة صرحت بنفى الربوبية او الوحدانية او عبادة غير الله او مع الله, فهى كفر, كمقالة الدهرية والنصارى والمجوسى والذين اشركوا بعبادة الاوثان او الملائكة او الشياطين او الشمس او النجوم او النار او احد غير الله, وكذلك اصحاب الحلول والتناسخ, وكذلك من اعترف بالهية الله ووحدانيته ولكنه اعتقد انه غير حي او غير قديـم, او انه محدث او مصور, او ادعى له ولدا او صاحبة, او انه متولد من شيئ او كائن عنه, او ان معه فـى الأزل شيئا قديما غيره, او ان ثـم صانعا للعالم سواه او مدبرا غيره, فذلك كله كفر باجماع المسلمين, وكذلك من ادعى مجالسة الله تعالى والعروج اليه ومكالمته او حلوله فـى احد الاشخاص كقول بعض المتصوفة والباطنية والنصارى, وكذلك نقطع على كفر من قال بقدم العالم او بقائه, او قال بتناسخ الأرواح وانتقالها ابد الآباد فـى الأشخاص وتعذيبها وتنعيمها بحسب زكائها وخبثها, وكذلك من اعترف بالالهية والوحدانية ولكنه جحد النبوة من اصلها عموما او نبوة نبينا خصوصا, او احدا من الانبياء الذين نص الله عليهم بعد علمه بذلك, فهو كافر بلا ريب, وكذلك من قال ان نبينا ليس الذى كان بمكة والحجاز, وكذلك من ادعى نبوة احد مع نبينا صلى الله عليه وسلم او بعده, او من ادعى النبوة لنفسه, وكذلك من ادعى من غلاة المتصوفة انه يوحى اليه وان لم يدع النبوة, قال فـى الانوار : ويقطع بتكفير كل قائل قولا يتوصل به الى تضليل الامة وتكفير الصحابة, وكل فاعل فعلا لا يصدر الا من كافر كالسجود للصليب او النار, او المشى الى الكنائس مع اهلها بزيّهم من الزنانير وغيرها, وكذا من انكر مكة او الكعبة او المسجد الحرام إن كان ممن يظن به علم ذلك وممن خالط المسلمين.

فصل

فـى بيان خطة السلف الصالح, وبيان المراد بالسواد الاعظم
فـى هذا الحين, وبيان أهـمية الاعتماد باحد المذاهب الاربعة

اذا فهمت ما ذكر علمت ان الحق مع السلفيين الذين كانوا على خطة السلف الصالح, فانـهم السواد الاعظم, وهم الموافقون علماء الحرمين الشريفين وعلماء الأزهر الشريف الذين هم قدوة رهط اهل الحق, وفيهم علماء لا يمكن استقصاء جميعهم مع انتشارهم فـى الاقطار والآفاق كما لا يمكن احصاء نجوم السماء, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ان الله لا يجمع أمتى على ضلالة, ويد الله على الجماعة, من شذ شذ الى النار, رواه الترميذى, زاد ابن ماجه : فاذا وقع الاختلاف, فعليك بالسواد الأعظم, مع الحق وأهله, وفـى الجامع الصغير : ان الله قد أجار أمتى ان تجتمع على ضلالة.
واكثرهم اهل المذاهب الاربعة, فكان الامام البخارى شافعيا, اخذ عن الخميدى والزعفرانـى والكرابيسى, وكذلك ابن خزيمة والنسائى, وكان الامام الجنيدى ثوريا, والشبلى مالكيا, والمحاسبى شافعيا, والجريرى حنفيا, والجيلانـى حنبليا, والشاذلى مالكيا, فالتقيّد بمذهب معين اجمع للحقيقة, واقرب للتبصر, وادعى للتحقيق, واسهل تناولا, وعلى هذا درج الاسلاف الصالحون والشيوخ الماضون رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
فنحن نحض إخواننا عوام المسلمين, ان يتقوا الله حق تقاته, وان لا يموتوا إلا وهم مسلمون, وان يصلحوا ذات البين منهم, وان يصلوا الارحام, وان يحسنوا الى الجيران والاقارب والاخوان, وان يعرفوا حق الاكابر, وان يرحموا الضعفاء والاصاغر, وننهاهم عن التدابر والتباغض والتقاطع والتحاسد والافتراق والتلون فـى الدين, ونحثهم ان يكونوا إخوانا, وعلى الخير أعوانا, وان يعتصموا بحبل الله جميعا وان لا يتفرقوا, وان يتبعوا الكتاب والسنة وما كان عليه علماء الأمة كالامام ابـى حنيفة ومالك بن انس والشافعى واحمد بن حنبل رضى الله تعالى عنهم أجمعين, فهم الذين قد انعقد الإجماع على امتناع الخروج عن مذاهبهم, وان يعرضوا عما احدث من الجمعية المخالفة لما عليه الاسلاف الصالـحون, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من شذ شذ الى النار, وان يكونوا مع الجماعة التى على طريقة الأسلاف الصالحين, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وانا امركم بخمس أمرنـى الله بـهن, السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة, فان من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الاسلام عن عنقه, وقال عمر بن الخطاب رشى الله عنه : عليكم بالجماعة واياكم والفرقة, فان الشيطان مع الواحد, وهو مع الاثنين أبعد, ومن اراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة.

فصل

فـى بيان وجوب التقليد لمن ليس له أهلية الاجتهاد

يجب عند جمهور العلماء المحققين على كل من ليس له اهلية الاجتهاد المطلق وان كان قد حصل بعض العلوم المعتبرة فـى الاجتهاد تقليد قول المجتهدين والأخذ بفتواهم ليخرج عن عهدة التكليف بتقليد ايهم شاء لقوله تعالى ﴿ فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ﴾, فاوجب السؤال على من لم يعلم ذلك, وذلك تقليد لعالم, وهو عام لكل المخاطبين, ويجب ان يكون عاما فـى السؤال عن كل ما لا يعلم للاجماع ان العامة لم تزل فـى زمان الصحابة والتابعين وكل حدوث المخالفين يستفتون المجتهدين ويتبعونـهم فـى الأحكام الشرعية والعلماء, فانـهم يبادرون الى اجابة سؤالهم من غير اشارة الى ذكر الدليل, ولا ينهونـهم عن ذلك من غير نكير, فكان اجماعا على اتباع العامى للمجتهد, ولأن فهم العامى من الكتاب والسنة ساقط عن حيز الإعتبار, ان لم يوافق افهام علماء اهل الحق الأكابر الأخيار, فان كل مبتدع وضال يفهم احكامه الباطلة من الكتاب والسنة ويأخذ منهما, والحال انه لا يغنى من الحق شيئا.
ولا يجب على العامى التزام مذهب فـى كل حادثة, ولو التزم مذهبا معينا كمذهب الشافعى رحمه الله تعالى لا يجب عليه الاستمرار, بل يجوز له الانتقال الى مذهب غيره, والعامى الذى لم يكن له نوع نظر واستدلال ولم يقرأ كتابا فـى فروع المذهب اذا قال : انا شافعى, لم يعتبر هذا كذلك بمجرد القول, وقيل : اذا التزم العامى مذهبا معينا يلزمه الاستمرار عليه لانه اعتقد ان المذهب الذى انتسب اليه هو الحق, فعليه الوفاء بموجب اعتقاده.
وللمقلد تقليد غير امامه فـى حادثة, فله ان يقلد اماما فـى صلاة الظهر مثلا, ويقلد اماما أخر فـى صلاة العصر, والتقليد بعد العمل جائز, فلو صلى شافعى ظن صحة صلاته على مذهبه, ثم تبين بطلانـها فـى مذهبه وصحتها على مذهب غيره, فله تقليده, ويكتفى بتلك الصلاة.

فصل

فـى لزوم الاحتياط فـى أخذ الدين وأخذ العلم,
والانذار عن فتنة اهل البدع والمنافقين والائمة المضلين

يلزم الإحتياط فـى أخذ العلم, فلا يأخذ عن غير اهله, روى ابن عساكر عن الامام مالك رضى الله عنه : لا تحمل العلم عن اهل البدع, ولا تحمله عمن لا يعرف بالطلب, ولا عمن يكذب فـى حديث الناس وان كان لا يكذب فـى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى ابن سيرين رحمه الله : هذا العلم دين, فانظروا عمن تأخذون دينكم, وروى الديلمى عن ابن عمر رضى الله عنهما مرفوعا : العلم دين, والصلاة دين, فانظروا عمن تأخذون هذا العلم, وكيف تصلون هذه الصلاة, فإنكم تسألون يوم القيامة, فلا ترووه الا عمن تحققت أهليته بأن يكون من العدول الثقات المتقنين.
وروى مسلم فـى صحيحه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سيكون فـى أخر امتى اناس يحدثونكم ما لم تسمعوا انتم ولا ﺁباؤكم, فاياكم واياهم, وفـى صحيح مسلم ايضا ان ابا هريرة رضى الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يكون فـى أخر الزمان دجالون كذابون, يأتونكم من الاحاديث بما لم تسمعوا انتم ولا ﺁباؤكم, فاياكم واياهم, لا يصلونكم ولا يفتونكم.
و فـى صحيح مسلم ايضا عن عمرو بن العاص رضى الله عنه قال : ان فـى البحر شياطين مسجونة اوثقها سليمان بن داود, يوشك ان تخرج فتقرأ على الناس قرﺁنا, قال النووى رحمه الله تعالى : معناه ان تقرأ شيئا ليس بقرﺁن وتقول : انه قرﺁن,
لتغربه عوام الناس.
و روى الطبرانى عن ابـى الدرداء رضى الله عنه : ان أخوف ما اخاف على أمتى الائمة المضلون, وروى الامام احمد عن عمر رضى الله عنه : ان اخوف ما اخاف على امتى كل منافق عليم اللسان, قال المناوى رحمه الله تعالى : اى كثير علم اللسان جاهل القلب والعمل, اتخذ العلم حرفة يتوكل بـها وأبـهة يتعزز بـها, يدعو الناس الى الله تعالى ويفر هو منه, وروى الطبرانى عن على رضى الله عنه : انـى لا اتخوف من أمتى مؤمنا ولا مشركا, فاما المؤمن فيحجزه ايمانه, واما المشرك فيقمعه كفره, ولكن اتخوف عليكم منافقا عالم اللسان, يقول ما تعرفون ويعمل ما تنكرون, وعن زياد بن حدير رحمه الله تعالى قال : قال لى عمر بن الخطاب رضى الله عنه : هل تعرف ما يهدم الاسلام ؟ قلت : لا, قال : يهدمه زلة العالم, وجدال المنافق بالكتاب, وحكم الائمة المضلين.

فصل

فـى ذكر الاحاديث والاثار الواردات فـى رفع العالم وتزول الجهل
وإنذار النبى صلى الله عليه وسلم وإعلامه بان الأخر شر
وأن أمته ستتبع المحدثات من الامور والبدع والاهواء
وأن الدين انما يبقى عند خاصة من الناس

قال ابن حجر العسقلانى رحمه الله تعالى فـى فتح البارى : يقبض الله العلماء ويقبض العلم معهم, فتنشأ احداث ينزو بعضهم على بعض نزو العير على العير ويكون الشيخ فيهم مستضعفا.
وروى ابو امامة رضى الله عنه لما كان حجة الوداع قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على جمل ﺁدم فقال : يا أيها الناس خذوا من العلم قبل ان يقبض وقبل ان يرفع من الأرض, ألا ان ذهاب العلم ذهاب حملته, فسأله أعرابى, فقال : يا رسول الله كيف يرفع العلم منا, وبين اظهرنا المصاحف وقد تعلمنا ما فيها وعلمناها أبناءنا ونساءنا وخدمنا ؟ فرفع اليه رأسه وهو مغضب, فقال : وهذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف ولم يتعلقوا منها بحرف فيما جاءهم به انبياؤهم.
وقال ابن مسعود رضى الله عنه : لا يزال الناس مشتملين بخير ما اتاهم العلم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم واكابرهم, فاذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم وتفرقت أهواؤهم هلكوا.
وروى البخارى فـى صحيحه عن ابـى هريرة رضى الله عنه : لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتى بأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع, فقيل : يا رسول الله كفارس والروم ؟ فقال: ومن الناس إلا هم.
وعن ابى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم : لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا ذراعا حتى لو دخلوا فـى حجر ضبّ تبعتموهم, قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟
وروى الطبرانى عن ابن مسعود رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن اول هذه الأمة خيارهم, وأخرها شرارهم مختلفين متفرقين, فمن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلتأته ميتته وهو يأتى الى الناس ما يجب ان يؤتى اليه.
وعن هشام بن عروة رحمه الله تعالى انه سمع اباه يقول : لم يزل امر بنى اسرائيل مستقيما حتى حدث فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم, فاحدثوا فيهم القول بالرأى وأضلوا بنى اسرائيل, قال : وكان ابـى يقول : السنن السنن, فان السنن قوام الدين, وروى ابن وهب عن ابن شهاب الزهرى رحمه الله تعالى قال : ان اليهود والنصارى انما انسلخوا من العلم الذى كان بأيديهم حين استقلوا الرأى وأخذوا فيه.
وروى البخارى فـى صحيحه عن عروة رضى الله عنه قال : حج علينا عبد الله بن عمرو رضى الله عنه, فسمعته يقول : سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول : ان الله لا ينزع العلم بعد ان اعطاهـموه انتزاعا, ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم, فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون, فحدثت بـها عائشة رضى الله عنها زوج النبى صلى الله عليه وسلم, ثم ان عبد الله بن عمرو حج بعد, فقالت : يا ابن أختى انطلق الى عبد الله فاستثبت لى منه الذى حدثتنى منه, فجئته فسألته, فحدثنى به كنحو ما حدثنى, فأتيت عائشة فأخبرتـها, فقالت : والله لقد حفظ عبد الله بن عمرو.
وفـى فتح البارى عن مسروق عن ابن مسعود رضى الله عنه قال : لا يأتى عليكم زمان إلا وهو أشر مما كان قبله, اما إنـى لا أعين أميرا خيرا من أمير ولا عاما خيرا من عام, ولكن علماؤكم وفقاؤكم يذهبون ثـم لا تجدون منهم خلفا, ثـم يجئ قوم يفتون فـى الامور برأيهم فيثلمون الاسلام ويهدمونه.

فصل

فـى بيان إثـم من دعا الى ضلالة أو سن سنة سيئة

قال الله سبحانه وتعالى ﴿ ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونـهم ﴾.
وأخرج ابو داود والترمذى عن ابى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من دعا الى هدى كان له من الاجر مثل اجور من تبعه لا ينقص ذلك من اجورهم شيئا, ومن دعا الى ضلالة كان عليه من الاثـم مثل اثام من تبعه لا ينقص ذلك من اثامهم شيئا.
وأخرج مسلم من رواية عبد الرحمن بن هلال عن جرير بن عبد الله البجلى رضى الله عنه فـى حديث طويل, قال فيه : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سن فـى الاسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بـها بعده من غير ان ينقص من أجورهم شيئا, ومن سن فـى الاسلام سنة سيئة كان عليه وزرها و وزر
من عمل بـها بعده من غير ان ينقص من أوزارهم شيئا.
قال مجاهد رحمه الله تعالى فـى تفسير الأية المذكورة : حملهم ذنوب انفسهم وذنوب من أطاعهم, ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم شيئا.
وروى الترمذى عن عمرو بن عوف رضى الله عنه ان النبى صلى الله عليه وسلم : قال من احيى سنة من سنتى قد اميتت بعدى كان له من الاجر مثل من عمل بـها من غير ان ينقص ذلك من اجورهم شيئا, ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضى الله ورسوله كان عليه مثل اثام من عمل بـها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئا.
وروى الطبرانى عن ابى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المتمسك بسنتى عند فساد أمتى له أجر مائة شهيد.

فصل

فـى بيان افتراق أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ثلاثة وسبعين فرقة وبيان اصول الفرقة الضالة, وبيان الفرقة الناجية
وهم اهل السنة والجماعة

روى ابو داود والترمذى وابن ماجه عن ابى هريرة رضى الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة, وتفرقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة, وتفرقت أمتى على ثلاث وسبعين فرقة, كلها فـى النار الا واحدة, قالوا : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : هم الذين على الذى انا عليه واصحابى.
قال الشهاب الخفاجى رحمه الله تعالى فـى نسيم الرياض : والفرقة الناجية هو اهل سنة والجماعة.
وفـى حاشية الشنوانى على مختصر ابن ابـى جمرة : هم ابو الحسن الأشعرى
وجماعته أهل السنة وائمة العلماء, لان الله تعالى جعلهم حجة على خلقه, واليهم تفزع العامة فـى دينهم, وهم المعنيون بقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله لا يجمع أمتى على ضلالة.
قال الإمام ابو منصور بن طاهر التميمى فـى شرح هذا الحديث : قد علم اصحاب المقالات انه صلى الله عليه وسلم لم يرد بالفرق المذمومة المختلفين فـى فروع الفقه من ابواب الحلال والحرام, وانما قصد بالذم من خالف أهل الحق فـى اصول التوحيد, وفـى تقدير الخير والشر, وفـى شروط النبوة والرسالة, وفـى موالاة الصحابة وما جرى مجرى هذه الابواب, لان المختلفين فيها قد كفر بعضهم بعضا بخلاف النوع الاول, فانـهم اختلفوا فيه من غير تكفير ولا تفسيق للمخالف فيه, فيرجع تأويل الحديث فـى افتراق الأمة الى هذا النوع من الاختلاف.
وقد حدث فـى أخر أيام الصحابة خلاف القدرية من معبد الجهنى و اتباعه, وتبرأ منهم المتأخرون من الصحابة كعبد الله بن عمر وجابر وانس ونحوهم رضى الله عنهم اجمعين, ثم حدث الخلاف بعد ذلك شيئا شيئا الى ان تكاملت الفرق الضالة اثنين وسبعين فرقة, والثالثة والسبعون هم اهل السنة والجماعة, وهم الفرقة الناجية.
فان قيل : هذه الفرق معروفة ؟, فالجواب : انا نعرف الافتراق واصول الفرق, وان كل طائفة من الفرق انقسمت الى فرق وان لم يحط بأسماء تلك الفرق ومذاهبها.
واصول الفرق الحرورية, والقدرية, والجمهية, والمرجئة, والرافضة, والجبرية, وقد قال بعض أهل العلم رحمهم الله تعالى : اصول الفرق الضالة هذه الست, وقد انقسمت كل فرقة منها اثنتى عشرة فرقة فصارت الى اثنتين وسبعين فرقة, قال ابن رسلان رحمه الله تعالى : قيل : ان تفصيلها عشرون منهم روافض, وعشرون منهم خوارج, وعشرون قدرية, وسبعة مرجئة, وفرقة نجارية, وهم اكثر من عشر فرق ولكن يعدون واحدة, وفرقة حرورية, وفرقة جهمية, وثلاث فرق كرامية, فهذه اثنتان وسبعون فرقة.

فصل

فـى ذكر امارات اقتراب الساعة

وهى كثيرة, منها عدم المساعد والمعاون على الدين, وهو قوله صلى الله عليه وسلم : يأتى على الناس زمان الصابر على دينه كالقابض على الجمر, رواه الترمذى عن أنس بن مالك رضى الله عنه.
ومنها يكون فـى اخر الزمان عباد جهال وقراء فسقة, راه ابو نعيم فـى الحلية والحاكم فـى المستدرك عن انس رشى الله عنه ايضا.
ومنها لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس فـى المساجد, رواه الامام أحمد فـى مسنده وابو داود فـى سننه عن انس رضى الله عنه.
ومنها قطيعة الرحيم, وتخوين الامين, وائتمان الخائن, راه الطبرانى عن انس بن مالك رضى الله عنه ايضا.
ومنها انتفاخ الاهلة, وان يرى الهلال قبلا بفتحتين اى سلعة ما يطلع فيقال لليلتين, رواه الطبرانى عن ابن مسعود رضى الله عنه.
ومنها يذهب الصالحون الاُوَّلُ الاول, وتبقى حثالة كحثالة الشعير او التمر, رواه الامام أحمد والبخارى.
ومنها لا تقوم الساعة حتى يكون الزهد رواية والورع تصنعا, رواه ابو نعيم فـى الحلية.
ومنها ان يكون الولد غيظا, والمطر قيظا, وتفيض اللئام فيضا, رواه الطبرانى عن ابن مسعود رضى الله عنه.
ومنها لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها, وكان زعيم القوم ارذلهم, وساد القبيلة فاسقوهم, رواه الطبرانى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه, والترمذى عن ابى هريرة رضى الله عنه.
ومنها ان تزخرف المحارب وتخرب القلوب, رواه الطبرانى عن ابن مسعود رضى الله عنه.
ومنها فشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة, وقطع الارحام, وفشو القلم, وظهور الشهادات بالزور, رواه الامام احمد والبخارى عن ابن مسعود رضى الله عنه, وفشو القلم كناية عن كثرة الكتبة وقلة العلماء, يعنى يكتفون بتعلم الخط ليخالطوا الحكام.
ومنها ان يتخذ الامانة مغنما والزكاة مغرما, ويتعلم العلم لغير دين, رواه الترمذى عن ابى هريرة رضى الله عنه.
ومنها اذا اطاع الرجل امرأته وعق أمه, وادنى صديقه وأقصى اباه, وارتفعت الاصوات فـى المساجد, رواه الترمذى عن ابى هريرة ايضا.
ومنها اذا ظهرت القينات والمغازف وشربت الخمور, ولعن اخر هذه الأمة أولها, رواه الترمذى عن ابى هريرة رضى الله عنه ايضا.
ومنها ان امام الدجال سنون خدعات, يكذب فيها الصادق, ويصدق فيها الكاذب, ويخون فيها الامين, ويؤتمن فيها الخائن, ويتكلم فيها الرويبضة, قيل : وما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فـى امر العامة, رواه الامام أحمد والبزار عن أنس بن مالك رضى الله عنه.
ومنها لا تقوم الساعة حتى تروا أمورا عظاما لم تحدثوا بـها أنفسكم, يتفاقم شأنـها فـى أنفسكم وتسألون هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرا, وحتى تروا الجبال تزول عن اماكنها, رواه الامام أحمد والطبرانى عن سمرة ابن جندب رضى الله عنه.
ومنها اذا وسد الامر الى غير أهله فانتظروا الساعة, رواه البخارى عن ابى هريرة رضى الله عنه.
ومنها لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول : يا ليتنى
كنت مكان صاحب هذا القبر, رواه مسلم عن ابى هريرة ايضا.
ومنها لا تقوم الساعة حتى يتسافد الناس تسافد البهائم فـى الطرق, رواه الطرانى عن ابن عمر رضى الله عنهما.
ومنها لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل الى المرأة فيفترشها فـى الطريق, فيكون خيارهم يومئذ من يقول : لو وارينا وراء هذه الحائط, رواه ابو يعلى عن ابى هريرة.
ومنها لا تقوم الساعة حتى توجد المرأة نـهارا تنكح اى تجامع وسطا الطريق, لا ينكر ذلك احد, فيكون امثلهم يومئذ الذى يقول : لو نحيتها عن الطريق قليلا, فذلك فيهم مثل ابى بكر وعمر فيكم, رواه الحاكم ابو عبد الله عن ابى هريرة رضى الله عنه.
ومنها ما روى الطبرانى عن ابى أمامة رضى الله عنه : وحتى تمر المرأة على القوم, فيقوم احدهم فيرفع بذيلها كما يرفع ذنب النعجة, فيقول بعضهم : الا واريتها وراء الحائط, فهو يومئذ فيهم مثل ابى بكر وعمر فيكم.
ومنها لا تقوم الساعة حتى تتناكر القلوب وتختلف الاقاويل ويختلف الاخوان من الأب والأم فـى الدين, رواه الديلمى عن حذيفة رضى الله عنه.
ومنها لا تقوم الساعة حتى تتخذ المساجد قناطر, فلا يسجد لله فيها, وحتى يبحث الغلام الشيخ بريدا بين الأفقين, وحتى يبلغ التاجر بين الأفقين فلا يجد ربحا, رواه الطبرانى عن ابن مسعود رضى الله عنه, وهو كناية عن عدم الرغبة فـى الصلاة, وعدم توقير الصغير الكبير, وعدم البركة فـى التجارة لغلبة الكذب والغش على التجار.
ومنها يأتى على الناس زمان همتهم بطونـهم, وشرفهم متاعهم, وقبلتهم نساؤهم, ودينهم دراهمهم ودنانيرهم, اولئك شر الخليق, لا خلاق لهم عند الله.
ومنها لا تذهب الأيام والليالى حتى يـخلق القران فـى صدور أقوام من هذه
الأمة كما يخلق الثياب, ويكون ما سواه اعجب لهم, ويكون امرهم طمعا كله, لا يخالطه خوف ان قصر فـى حق الله تعالى, منته نفسه الأمانى, وان تجاوز الى ما نـهى الله عنه قال : أرجو ان يتجاوز الله عنى.
ومنها يدرس الاسلام كما يدرس وشي الثوب, حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة, ويبق طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة, ويقولون : ادركنا اباءنا على هذه الكلمة لا اله إلا الله فنحن نقولها, رواه ابن ماجه عن حذيفة بن اليمان رضى الله عنه.
ومنها لا تقوم الساعة حتى لا يقال فـى الأرض لا اله الا الله.
ومنها لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل, ويخون الأمين, ويؤتمن الخائن, وتـهلك الوعول, وتظهر التحوت, قالوا : يا رسول الله وما التحوت والوعول ؟ , قال : الوعول وجوه الناس وأشرافهم, والتحوت الذين كانوا تحت اقدام الناس, رواه الطبرانى عن ابى هريرة رضى الله عنه.
ومنها لا تقوم الساعة حتى تخرج سبعون كذابا, قلت : وما أيتهم ؟ , قال : يأتونكم بسنة لم تكونوا عليها, يغيرون بـها سنتكم, فاذا رأيتموهم فاجتنبوهم, رواه البخارى عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما.
ومنها اذا ظهر القول, وخزن العمل, وائتلفت الالسن, واختلفت القلوب, وقطع كل ذى رحم رحمه, فعند ذلك لعنهم الله واصمهم و اعمى ابصارهم, رواه الامام أحمد وعبد بن حميد عن سليمان الفارسى رضى الله عنه.
ومنها اذا الناس اظهروا العلم, وضيعوا العمل, وتحابوا بالالسن, وتباغضوا بالقلوب, وتقاطعوا فـى الارحام, لعنهم الله عند ذلك, فاصمهم واعمى ابصارهم, رواه ابن ابى الدنيا عن الحسن رضى الله عنه.
قال البيهقى وغيرهم رحمهم الله تعالى : الأمارات منها صغار, وقد مضى اكثرها, ومنها كبار ستأتى.
ولنختم الاحاديث المذكورات بما رواه مسلم فـى صحيصح عن حذيفة ابن أسيد الغفارى رضى الله عنه قال : اطلع النبى صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر, فقال : ما تذاكرون ؟ , قالوا : نذكر الساعة, قال : انـها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر ايات, فذكر الدخان, والدجال, والدابة, وطلوع الشمس من مغربـها, ونزول عيسى بن مريـم صلى الله عليه وسلم, ويأجوج ومأجوج, وثلاثة خسوف, خسف بالمشروق, و خسف بالمغرب, وخسف بجزيرة العرب, وأخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس الى محشرهم.
اما الدخان فقد ذكر العلامة الخازن فـى تفسيره فقال : قال حذيفة رضى الله عنه : يا رسول الله ما الدخان ؟ , فتلا هذه الأية ﴿ يوم تأتى السماء بدخان مبين ﴾, يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة, اما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام, واما الكافر فهو كالسكران, يخرج من منخريه وأذنيه ودبره.
واما الدجال ففى صحيح مسلم عن هشام بن عروة رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما بين خلق ادم الى قيام الساعة خلق اكبر من الدجال, معناه اكبر فتنة, وفـى صحيح البخارى عن ابن عمر رضى الله عنهما ان النبـى صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال فقال : انه اعور العين اليمنى كانـهما عنبـة طافية, وفيهما عن انس رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى صلى الله عليه وسلم : ما من نبى إلا وقد أنذر امته الأعور الكذاب, ألا انه أعور, وان ربكم ليس بأعور, مكتوب بين عينيه كافر.
وروى البغوى رحمه الله تعالى بسنده عن أسماء بنت يزيد الانصارية رضى الله عنها أن من اكبر فتنته انه يأتى الأعرابى فيقول : ارأيت ان احييت لك ابلك, الست تعلم انى ربك ؟ فيقول : بلى, فيتمثل له الشيطان نحو ابله كاحسن ما تكون ضروعا واعظمه امنة, ويأتى الرجل قد مات اخوه ومات ابوه فيقول : ارأيت ان احييت اخاك واباك, الست تعلم انـى ربك ؟ , فيقول : بلى, فيتمثل له الشيطان نحو اخيه
وابيه.
وعن المغيرة بن شعبة رضى الله عنه قال : ما سأل احد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدجال ما سألته, وانه قال لى : ما يضرك, قلت : انـهم يقولون : ان معه جبل خبز ونـهر ماء, قال : هو اهون على الله من ذلك, وروى الترمذى عن ابى بكر الصديق رضى الله عنه قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال, يخرج بأرض المشرق يقال لها خرسان, يتبعه أقوام كان وجوههم المجان المطرقة, وعن انس رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يتبع الدجال من يهود اصبهنا سبعون الفا عليهم الطيالسة.
قال الامام النووى رحمه الله تعالى : قال القاضى عياض : هذه الاحاديث التى وردت فـى قصة الدجال حجة للمذهب الحق فـى صحة وجوده, وانه شخص بعينه ابتلى الله تعالى عباده, فاقدره على اشياء من المقدورات من احياء الميت الذى يقتله, ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه, وجنته وناره, واتباعه كنوز الارض, وامره السماء ان تمطر فتمطر والارض ان تنبت فتنبت, وتقع كل ذلك بقدرة الله وفتنته, ثـم يعجزه الله تعالى بعد ذلك, فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره, ويبطل امره, ويقتله عيسى بن مريـم عليه السلام, ويثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت, هذا مذهب اهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء خلافا لمن انكره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة.
واما الدابة فقد ذكر العلامة الخازن فـى تفسيره باسناد الثعلبى عن حذيفة بن اليمان رضى الله عنه, ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة, قلت : يا رسول الله من اين تخرج ؟ , قال: من اعظم المساجد حرمة على الله, فبينما عيسى يطوف بالبيت ومعه المسلمون, اذ تضطرب الارض, وينشق الصفا مما يلى المسعى, وتخرج الدابة من الصفا اول ما يخرج منها, رأسها ملمعة ذات وبر و ريش, لن يدركها طالب ولن يفوتـها هارب, تسم الناس مؤمنا وكافرا, فاما المؤمن فتترك وجهه كانه كوكب دري وتكتب بين عينيه مؤمن, واما الكافر فتنكت بين عينيه نكتيه سوداء وتكتب بين عينيه كافر, وعن عبد الله بن عمرو رضى الله عنه قال : تخرج الدابة من شعب جياد, فتمس رأسها السحاب, ورجلاها فـى الاض.
واما طلوع الشمس من مغربـها ففى كتاب بدء الخلق من صحيح البخارى عن ابـى ذر رضى الله عنه قال : قال لى النبى صلى الله عليه وسلم حين غربت الشمس : تدرى اين تذهب ؟ قلت : الله ورسوله اعلم, قال : فانـها تذهب حتى تسجد تحت العرش, فتستأذب فيؤذن لها, ويوشك ان تسجد فلا يقبل منها, وتستأذن فلا يؤذن لـها, ارجعى من حيث جئت, فتطلع من مغربـها, فذلك قوله تعالـى ﴿ والشمس تجرى لمستقر لها, ذلك تقدير العزيز العليم ﴾, قال فـى فتح البارى : يحتمل ان يكون المراد بالسجود سجود من هو موكل بـها من الملائكة, او تسجد بصورة الحال, فيكون كناية عن الزيادة فـى الانقياد والخضوع فـى ذلك الحين, وقال النووى رحمه الله تعالى : واما سجود الشمس فهو تمييز وادراك يخلقه الله تعالى فيها, والله اعلم.
واما نزول عيسى عليه السلام وخروج يأجوج ومأجوج ففى صحيح مسلم عن النواس بن سمعان رضى الله عنه قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة, فخفض فيه ورفع حتى ظنناه فـى طائفة النخل, فلما رحنا اليه عرف ذلك فينا, فقال : ما شأنكم ؟ , قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال ذات غداة, فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه فـى طائفة النخل, فقال : غير الدجال اخوفنى عليكم, ان يخرج وانا فيكم فانا حجيجه دونكم, وان يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه, والله خليفتى على كل مسلم, انه شاب قطط, عينه عنبة طافية, كانى اشبهه بعبد العزى بن قطن, فمن ادركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف, انه خارج خلة بين الشام والعراق, فعاث يمينا وعاث شمالا يا عباد الله فاثبتوا, قلنا : يا رسول الله وما لبته فـى الارض ؟ , قال : اربعون يوما, يوم كسنة, ويوم كشهر, ويوم كجمعة, وسائر ايامه كايامكم, قلنا : يا رسول الله فذلك اليوم الذى كسنة اتكفينا فيه صلاة يوم ؟ , قال : لا, اقدروا له قدره, قلنا : يا رسول الله وما اسراعه فى الارض ؟ , قال : كالغيث استدبرته الريح, فيأتى على القوم فيدعوهمو فيؤمنون به ويستجيبون له, فيأمر السماء فتمطر والارض فتنبت, فتروح عليهم سارحتهم اطول ما كانت ذرى واسبغه ضروعا وامده خواصر, ثـم يأتى القوم فيردون عليه قوله, فينصرف عنهم, فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيئ من اموالهم, ويمر بالخربة فيقول لها : اخرجنى كنورك, فتتبعه كنوزها كيعاسب النحل, ثـم يدعوا رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض, ثـم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك, فبينما هو كذلك